اقترب شهر رمضان وكل عام أنتم بخير، وبدأ الجدل ما بين الأطباء حول صيام المرضى، خاصة مرضى السكر الذين يقترب عددهم فى مصر الآن من أكثر من ثمانية ملايين مريض، وهناك الكثير من الأطباء يخافون من السماح لمريض السكر بالإفطار خشية من تحمل الوزر، فيستسهل ويقول لمريض السكر: «صوم ومش حيحصل حاجة»، ويغلِّب خوفه على عِلمه ويتهرب من المسئولية العلمية والأخلاقية بأنانية ضيقة. حملت أسئلتى إلى د. صلاح الغزالى حرب ليجيبنى بحسمه العلمى المعهود عن مريض السكر ورمضان؛ من يصوم ومن يفطر؟ أجاب د. صلاح قائلاً: قبل توضيح الرأى العلمى فى هذا الشأن أود أن أذكر بعض الحقائق الدينية والعلمية حول الصيام: أولاً: بنص القرآن الكريم.. لا يجوز للمريض أن يصوم إذا كان من شأن الصوم أن يزيد من شدة المرض أو يسبب مضاعفات لهذا المريض. ثانياً: مرض السكر تحديداً من الأمراض التى تتميز بالضرر المتراكم على شرايين الدم عند حدوث أى ارتفاع فى مستوى السكر بالدم مهما كانت درجته ومدته، وهذا الضرر للأسف لا يُحدث أعراضاً يشكو منها المريض، ولكن بمرور الوقت يُترجم إلى مضاعفات خطيرة على مستوى كل شرايين الجسم. وكذلك الحال عند انخفاض مستوى السكر بالدم الذى بتكراره قد يؤدى إلى تلف فى أنسجة المخ وقصور فى الوظائف المتعلقة بالتركيز والمعرفة والتذكر. ثالثاً: على مريض السكر أن يتذكر دوماً أن صحته هبة غالية من الخالق، سبحانه وتعالى، وأنه مسئول أمامه، سبحانه، عن أى إهمال لهذه الهبة. كما يجب أن يتذكر أن الله، سبحانه وتعالى، قد فرض الصيام لحكمة عظيمة وليس من أجل تعذيب الإنسان أو إلحاق الضرر به. نعود بعد ذلك إلى موقف مريض السكر من صيام رمضان: أولاً: مرضى السكر من النوع الأول المعتمد على الأنسولين لا صيام لهم على الإطلاق، حيث إنهم يحتاجون إلى أكثر من ثلاث جرعات من الأنسولين يومياً، ما يستحيل معه المحافظة على مستوى السكر بالدم عند الصيام. ثانياً: مرضى السكر من النوع الثانى، الذى يعتمد فى علاجه على استخدام الأنسولين أكثر من مرتين يومياً، وكذلك السيدات الحوامل المصابات بالسكر يُمنع عنهن الصيام حتى يتم تعديل موقفهن الطبى حسب الحالة، وكذلك الحال فى وجود مضاعفات خطيرة فى الكلى والعين والقلب. ثالثاً: مرضى السكر من النوع الثانى، الذى يعتمد على الأنسولين مرة أو مرتين يومياً، يمكنهم الصيام شريطة أن يكون مستوى السكر بالدم قبيل رمضان فى المستوى المطلوب. وفى هذه الحالة يجب على الطبيب المعالج اختيار نوع الأنسولين المناسب، بالجرعة المناسبة، والتوقيت المناسب، مع ضرورة متابعة مستوى السكر فى المنزل على مدار الساعة لتجنب أى ارتفاع أو انخفاض غير مناسب. رابعاً: مرضى السكر المعتمدون على أقراص علاج السكر بالفم، يمكنهم الصيام بشرط أن يكون مستوى السكر مناسباً قبل رمضان، ومع اختيار الأقراص التى تتناسب مع ظروف الصيام، ويمكنهم الاستفادة من الأجيال الجديدة من الأقراص التى تفيد فى هذا الشأن. خامساً: مرضى ما قبل السكر، أى أولئك المعرضون للإصابة بمرض السكر، خاصة الذين يعانون من زيادة الوزن، يستفيدون من صيام رمضان وغير رمضان، حيث ثبت علمياً أن ذلك يؤثر إيجابياً على منع ظهور السكر وكذلك تخفيض الوزن وتخفيض الدم المرتفع وكذلك نسبة الدهون بالدم المرتفعة.وتبقى كلمة أخيرة وهى أن الصوم الذى ترجى فائدته، إن شاء الله، هو ذلك الصوم الذى كان يقوم به المسلمون الأوائل، الذين كانوا يسترشدون بالنصيحة النبوية الغالية بألا نأكل إلا إذا أحسسنا بالجوع، وإذا أكلنا فلا يجب أن نصل إلى حالة الشبع. كما يجب أن نتذكر أن الإسلام ينهى عن الإسراف وأن المظاهر الفاطمية التى اعتدنا عليها فى موائد رمضان العامرة بالعديد من الأصناف التى تشكل عبئاً حقيقياً على الجهاز الهضمى، كلها تتنافى تماماً مع الحكمة الإلهية من صوم رمضان التى لخصها القرآن الكريم فى كلمتين {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.